قصة الصحراوي الذي اعترف للوكيل العام للمك بمحكمة الاستئناف بطنجة بجريمته







من أغرب القضايا التي صادفتها أثناء عملي قضية نادرة الوقوع ولكنها لغز يستدعي التمحيص والدراسة لشخصية من يمكن ان نسميه مجرما. ذات يوم من سنة 2001 كنت أباشر عملي كنائب أول للوكيل العام بمحكمة الاستئناف بطنجة واذا بالباب يطرق فقلت تفضل فتح الباب وأظهر من خلفه رجل متوسط القامة نحيف الجسم ملامحه صحراوية من صحراء المغرب الشرقية عليه ملابس نقية ولكن لايبدو أنها قيمة،فطلبت منه التفضل رغم اني لم اكن استقبل الشكايات. دخل بخطى وئيدة فطلبت منه الجلوس حيث جلس بهدوء مطاطا الرأس شارد الذهن انتظرته ليتكلم وأنا أمعن النظر فيه لكنه لم يفعل، فبادرته ماذا تريد ؟ رفع رأسه وشخص بعينيه في وجهي وقال”لقد قتلت أحدهم ودفنته”. صدمتني جديته وتحول شروده إلى تركيز فاسترجعت زمام المبادرة وقلت له : أنت لاباس بمعنى هل أنت بكامل قواك العقلية. أجاب معلوم وهل تدرك ماتقوله أجاب طبعا. أمام هذا الاصرار طلبت منه أن يحكي لي القصة لعلي أكتشف من خلال كلامه عدم الدقة أو الارتباك أو اللامنطقية ولكنني على العكس من ذالك كان أمامي شخص متحكم في انفعالاته مرتب في حديثه فقال إنه عامل بناء يشتغل وينام في الورش وان له زميل يشاركه ذالك وأنهما كانا يأخذان حاجياتهما من بقال بجانب الورش وقد كان هذا الأخير يدفع لهم متطلباتهم وينتظرهم حتى الحصول على راتبهم كي يؤديا ماعليهم وأنه كان هو الضامن لزميله عند صاحب المحل،  لكن باقتراب عيد الأضحى الذي يعتبر عطلتهم السنوية طالب زميله بأداء ما بذمته لكنه رفض فقرر انه سيقتله حين ينام ويدفه ليلا في المقبرة وان ذالك هو ما قام به. فسالته ولماذا وصلت معه حتى القتل أجاب بصرامة انه كان يستحق ذلك. بواسطة الجرس استدعيت الشرطي أمام الباب وطلبت منه إبقاء الشخص تحت عهدته ثم اتصلت بالسيد رئيس المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية حينها وطلبت منه إرسال ضابط وأعوانه في سيارة الشرطة. ونظرا لقرب المسافة بين محكمة الاستئناف ومصلحة الشرطة ما كادت تمر عشر دقائق حتى حضر الضابط فقلت له ما سمعته وطلبت منه الاستماع اليه أولا ثم الانتقال معه الى المقبرة للتاكد واجراء المعاينات وموافاتنا بتقرير على ضوئه نطلب استخراج الجثة لعرضها على الطبيب الشرعي لتحديد سبب الوفاة. وبالفعل تم نقل الرجل والاستماع اليه والانتقال معه إلى المقبرة حيث أشار الى قبر حديث يتبين ذلك من خلال تربته وقال لهم هو ذا ولكن نباهة الضابط كانت نادرة فقد اخذ عصا وبدأ يغوص بها في الرمل ليتبين له أن القبر المعني صاحبه مدفون في تابوت وهذه الحالات تتم فقط للأشخاص الذين توفو بعيدا وجئ بهم الى المدينة التي ارادو ان يدفنو فيها بحيث انهم بوفاتهم وغسلهم على الطريقة الإسلامية يتم وضعهم في تابوت ليتم نقلهم، ولا يسلم الاذن بالنقل حتى تحضر الضابطة القضائية لانجاز محضر بعد ختم التابوت بالشمع الأحمر، وفي مكان دفنه تتأكد الضابطة التي سيدفن في دائرة اختصاصها من أن التابوت لم يفتح وتنجز محضرا بذلك يحال على النيابة العامة. وعندما واجه المشتبه فيه بذلك بدأ يبحث من جديد عن قبر اخر جديد، فربط الضابط الاتصال بي ليطلعني على هذه المعلومات فطلبت منه ان يحصل على الهوية الكاملة والعنوان للضحية المفترض. وبالفعل باح المتهم بها فتبين انه يسكن بنواحي مكناس وبالضبط بعين تاوجطاط، فطلبت منه الاتصال بمركز الدرك الملكي لتقصي الاخبارحوله وفي مساء نفس اليوم اتصل الضابط ليقول لي أن الضحية المفترض يوجد لحظتها بمركز الدرك الملكي بعين تاوجطاط وعندما واجهو المشتبه فيه بذالك ظل مصرا على موقفه حتى تكلم معه عبر الهاتف لينهار المشتبه فيه ويدخل في نوع الاكتئاب ونوبة صمت طويلة، لقد اندمج في الدور فقد صمم وباصرار على ارتكاب جريمته وخطط لها تخطيطا محكما يعتقد انه سيفلته من الكشف عن الفاعل. وبامعانه في إصراره تصور نفسه قام بالفعل بما خطط له، ولكن ضميره صحا فقرر أن يعترف بما اعتقد أن يداه اقترفته وهيأ نفسه لما قد يترتب على ذلك من عقاب. ترى من هي هذه الشخصية؟ رجل من بادية الصحراء دخل إلى مدينة طنجة ولم ير منها إلا البنايات بحيث انه ولم يستطع الاندماج والتعاطي مع عقلية ساكنتها. شعر بالظلم والغبن في عالمه الخاص الذي لم يكن يتجاوز زملاء العمل والسكن. وباندفاع قرر الانتقام بشكل صارخ وعنيف. ثم استحضر وازعه الديني والأخلاقي الذي سرعان ما تملكه وبقوته فيه ظل مصرا على الإقرار بفعل ظن انه وقع فعلا. في الحقيقة لا امتلك من أدوات علم النفس ما يمكنني به تملك مفاتيح مثل هذه الشخصية. في النهاية لقد تقرر توجيه الملف الى المحكمة الابتدائية لمتابعة المتهم من اجل إهانة الضابطة القضائية بتبليغه عن جريمة يعلم بعدم وقوعها. ولكني بالنظر الى جديته اثناء روايته وما أصابه بعد مواجهته الواقع لا اعرف هل كان يعلم بوعي تام وادراك واضح بعدم وقوعها. ياسين أممـــــــا، محام بهيئة طنجة قصة الصحراوي الذي اعترف للوكيل العام للمك بمحكمة الاستئناف بطنجة بجريمته Maroc News | .

Comments 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قصة الصحراوي الذي اعترف للوكيل العام للمك بمحكمة الاستئناف بطنجة بجريمته

log in

Captcha!

reset password

Back to
log in
Choose A Format
Gif
GIF format