ما زال ملف اغتيال أيت الجيد بنعيسى، في التسعينات من القرن الماضي، والذي تورط فيه القيادي بحزب المصباح، عبد العالي حامي الدين، يثير المزيد من التطورات. في هذا السياق، اتصلت “أنفاس بريس”بالأستاذ الحبيب حاجي، دفاع عائلة الضحية، لتفسير أسباب حماية حزب “البيجيدي” للبرلماني حامي الدين، وأيضا لتنوير الرأي العام حول مستجدات الملف:
+ في نظرك، ما هو السند القانوني الذي ارتكز عليه القضاء في إعادة فتح مقتل أيت الجيد؟
– عندما اعتقل عبد العالي حامي الدين سنة 1993، على خلفية الأحداث الجامعية، ادعى زورا أنه من رفاق أيت الجيد بنعيسى، وهذا مسجل في محضر الاستماع له من قبل الشرطة القضائية. مضيفا أنه كان رفقة طلبة قاعديين هم: خالد الشرقاوي وعبد العزيز عبقري والخمار الحديوي. والمفارقة أن هذا الأخير كان رفقة أيت الجيد عند مقتله. وأضاف حامي الدين، الذي ادعى انتماءه للطلبة القاعديين، أنه كان ضمن الطلبة المناضلين الذين نسفوا حلقة للطرف الآخر، ويقصد “الخوانجية”، وأدى ذلك إلى نشوب اشتباكات بين الطرفين.. وبناء على هذا الادعاء، تم توجيه تهمة المشاركة في جنحة مشاجرة أودت بحياة شخص، لحامي الدين، وليس مقابل جناية القتل التي وجهت للخوانجية. واعتقل حامي الدين والشرقاوي والحديوي، حيث قضى حامي الدين سنتين حبسا بعد إدانته بالجنحة المذكورة. ونحن هنا أمام واقعتين، واقعة الادعاء بأن حامي الدين ينتمي للرفاق القاعديين، وهذا ما كان يروجه رفقة بعض “الخوانجية” للتنصل من جريمة القتل، والدفع بأن الرفاق يقتلون بعضهم البعض، وبين واقعة مقتل أيت الجيد خارج الحرم الجامعي، حيث يفيد الشرقاوي والحديوي أنهما استقلا سيارة أجرة، وكان رفقتهما أيت الجيد، من أمام الكلية، ليفاجأوا بحوالي 30 شخصا يعترضون الطاكسي، ويكسرون زجاجه، ويحاولون جر من في داخله، ففر السائق واتجه صوب مركز الشرطة، ولما عاد رفقة الشرطة، وجدوا أيت الجيد جثة هامدة، في حين كان هناك تفاوض حول من يقتل منهم الحديوي بعد تلقيه لعدد من الضربات على مستوى رأسه، أي هل تقتله عناصر العدل والإحسان أو المستقبل الإسلامي أو فصيل أصولي آخر. ويحكي الحديوي كيف أن حامي الدين كان من بين الذين اعترضوا الطاكسي، وأن حامي الدين هو الذي وضع رجله على رأس أيت الجيد الذي كان يصرخ: “واميمتي، واخويا الخمار، غادي نموت”، لكي يسهل تهشيم رأس الشهيد بواسطة حجرة من قبل ثلاثة أشخاص أدينوا مؤخرا… وبالتالي نحن أمام واقعتين مختلفتين، واقعة داخل ساحة الكلية وقعت فيها مشاجرة بين الإسلاميين والقاعديين، وهي التي يتحدث عنها حامي الدين، وادعى زورا أنه كان في صف هذه الأخيرة، وواقعة أخرى تمت خارج الحرم الجامعي، ساهم من خلالها في قتل أيت الجيد..
+ لكن كيف غابت هذه المعطيات حينذاك؟
– هي معطيات معروفة وأدلينا بما يفيد وقوعها بشهادة سائق سيارة الأجرة أمام القضاء، وكررت استعراضها لعشرات المرات في فيديوهات..
+ أقصد السلطات القضائية، لماذا لم تحرك ساكنا في الوقت المناسب؟
– السؤال هو: لماذا كذب حامي الدين حين الاستماع له؟ وكيف تم تصديقه خلال المحاكمة؟ وهل فعلا له علاقة بالخمار؟ رغم أن هذا الأخير ينكر أي علاقة معه.. فالأول كان في كلية الحقوق، والثاني في كلية العلوم، ولم يسبق له أن التقاه، بل تعرف عليه في المستشفى. لهذا فحامي الدين لم يحاكم على وقائع القتل التي تختلف في الزمان والمكان والأشخاص والضحايا عن واقعة سابقة للشجار. اليوم ظهرت معطيات جديدة في الملف تثبت تورط حامي الدين، فنحن أمام واقعة إزهاق روح بشرية، وليس ما ادعاه كونه حضر في شجار أفضى إلى القتل. بعبارة أخرى، الأولى، ومن الإنصاف والعدل، أن يحاكم حامي الدين على مشاركته في قتل أيت الجيد بالطريقة التي أسلفنا، والتي يدعمها الخمار الذي كان بين الحياة والموت من نفس المتورطين.. أي يحاكم على القتل العمد، وليس المشاجرة التي هي سابقة زمنيا عن واقعة القتل العمد. من هنا أرجح فرضية أن يكون حامي الدين عنصرا مندسا من قبل البوليس آنذاك في صفوف الطلبة، ولهذا تم إنجاز محضر آنذاك بوقائع ليست هي المعنية بجريمة القتل، بسيناريو وإخراج جيدين من قبل البوليس لحماية عنصر تابع لها، خصوصا وأن عملية التمايز بين التنظيمين كانت مضبوطة من قبل أجهزة الأمن المختصة وتعرف من ينتمي للقاعديين ومن ينتمي للأصوليين.. وبالتالي يحق قانونيا للسلطات القضائية اليوم أن تحاكم حامي الدين وفق هذه المعطيات الجديدة التي برزت اليوم. وهذه الوقائع لم تكن عناصرها مكتملة، سواء لدى عائلة الضحية أو الدفاع، وجرى بحث عميق من قبل أصدقاء أيت الجيد، من خلال التحري الشخصي في تاريخ تلك الأحداث، وجمع الشهادات، والتعرف على صورة حامي الدين في تلك الفترة، مع استحضار أن الدولة في تلك السنوات كانت تحمي التيارات الأصولية لضرب القوى التقدمية، مما صعب آنذاك من التحرك نحو استجلاء الحقيقة، وهو التحرك الذي أسفر عن تحرك البحث القضائي في الشكاية واعتقال عمر محب، أحد المتورطين في القتل، المنتمي لجماعة العدل والإحسان، في حين ما زال حزب العدالة والتنمية يرفض تقديم عنصر من عناصره للقضاء…
+ ما هي آخر التطورات المتعلقة بقضية مقتل أيت الجيد؟
– تتمحور آخر التطورات في قضية اغتيال الشهيد أيت الجيد بنعيسى حول ثلاثة مستويات:
المستوى الأول، يتعلق بمواصلة الطعن بالنقض في القرار الاستئنافي الجنائي القاضي ببراءة المتهمين الأربعة، اكريول ومن معه المتورطين في القتل والمنتمين لحزب العدالة والتنمية.
المستوى الثاني، هو تحريك التحقيق الجنائي في حق حامي الدين من طرف قاضي التحقيق باستئنافية فاس، وستنعقد جلسة لذلك يوم 24 يناير 2018، وغالبا سيمثل فيها حامي الدين أمام قاضي التحقيق للاستماع إليه في شأن فعل وتهمة القتل العمد.
المستوى الثالث، وهو على درجة عالية من الدقة، ويتجلى في التداول الرزين والهادئ بشأن رفع شكاية أخرى بأحد المتورطين.
+ ما هو برنامج التصعيد الذي قررته مؤسسة ودفاع أيت الجيد من أجل الكشف ومتابعة المتورطين في الاغتيال؟
– برنامج العمل بشأن متابعة قتلة أيت الجيد هو برنامج حقوقي: التشبث بالقضاء وبالمساطر القانونية المختلفة وأنشطة لحث الدولة على عدم حماية المتورطين من أجل عدم إفلاتهم من العقاب. ومواجهة الدعم السياسي لحزب العدالة والتنمية لحامي الدين وباقي القتلة. وما زلنا نتطلع إلى الدعم المادي لرفع الملف إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لمزيد من فضح القتلة والأحزاب التي تأويهم وتحميهم والضغط على الدولة لتقديمهم للمحاكمة. كما أننا سنعمل في هذه السنة، بالتعاون مع فريق فني، من أجل إنجاز فيلم سينمائي عن هذا الاغتيال.
+ كيف تقرأ تهرب حامي الدين من المثول أمام القضاء، علما أنه يرأس جمعية “حقوقية”، هي منتدى الكرامة لحقوق الانسان، ومفروض فيه أن يكون قدوة لاحترام العدالة؟
– سيمثل المعني بالأمر أخيرا على ما أعتقد يوم الأربعاء 24 يناير 2018 أمام قاضي التحقيق بفاس لتوصله بالاستدعاء. أمثال هؤلاء كلهم يدعون حقوق الإنسان، وهم لا يؤمنون بها. فهم أسسوا جمعية بمسمى حقوقي فقط، ذلك لأن الخطاب الحقوقي أصبح قويا وتجاوزهم، ولم يعد في استطاعتهم محاربته، كما كانوا يعلنون في السابق، في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. إنهم يختبئون فقط ويستغلون المسمى دون مضمون. فجمعيتهم جمعية سياسية دينية لا صلة لها بالحقوق. فكل حقوق الإنسان والحريات يعارضونها في جمعيتهم تلك. والرميد، وزير حقوق الإنسان، هو وزير مناهضة حقوق الإنسان.
+ البعض يعتبر حماية حامي الدين من طرف حزبه “البيحيدي” ودفاعه عنه بمثابة تواطئ سياسي مكشوف، ما هو ردك؟
– نعم الدعم السياسي لحزب “البيجيدي” لحامي الدين أمام القضاء هو تواطؤ سياسي مكشوف وتبني للاغتيال ولكل الجرائم الحقوقية التي ارتكبها نشطاؤه في التنظيمات السابقة، وهو سلوك يعد جريمة التأثير على القضاء وتهديد للمؤسسات وللملكية، باعتبارها أقوى المؤسسات في الدولة، وإلا ما الذي يمنع رئيس الحكومة من مباشرة وتنفيد دعمه السياسي وإيقاف التحقيق. كما أن إعلان هذا الدعم يجعل من حزب العدالة والتنمية يرتكب جريمة تمس بالاستقرار وتشرعن لشرع اليد: شرع يد الأحزاب بعدما أطلقت شرع يد أعضائها بتكفير الناس وتهديدهم بالقتل.
آن الاوان لحل هذا الحزب لتهديده للأمن والسلم والقانون وللمؤسسات وللنظام العام ببلدنا، بالنظر إلى أن أطره لم تتعلم السياسة والقانون والنظام، وما زالت تحن إلى الدم والإقصاء والقتل والاغتيال والتهديد بالخروج إلى الشارع، وإلى ما ذلك.
Comments 0