فارع القوام، لا شيء يغزو شعره الشيب، هز ساحات المعارك بصوته الشاهق، لم يستسلم يوما لا سياط الجلاد، لا للموت، ولا للإغراءات الكبيرة التي عرضت عليه. سياسي مخضرم، عاصر الجمر والرصاص، وعايش الانفراج السياسي، ونظر للديمقراطية والنضال من داخل المؤسسات، ومارسه من خلال ترشحه في الانتخابات. إنه أخو الشهيد العمر، أحمد بنجلون، أحد قيادات الاتحاد الوطني وبعد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومؤسس حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. تحل اليوم الذكرى السادسة، لوفاة القائد الوطني والتحرري أحمد بنجلون، رحل الجسد، وبقي فكره ينير درب رفاقه، والأجيال القادمة. عاش حالما بالديمقراطية والعدالة والاجتماعية، ومات كذلك. في إحدى أشهر صيف عام 1942، رزق السي محمد بن جلون، حارس مولد الكهرباء في قرية «عين بني مطهر» جنوب وجدة وزوجته للا امينة الازرق بولد اختارا له من الأسماء أحمد. وكان آخر عنقود الاسرة، حيث سبقه الزبير، ثم عمر، وزبيدة، ثم العباس. ترعرع بين بلدته عين بني مطهر ومدينة وجدة، قبل أن يغادر الى الجزائر في سنة 1964 للدراسة، بعد حصوله على الباكالوريا، لنطلف في مسار جديد باختياره دراسة الطب لكنه لم يستمر إلا شهراً واحداً، وتحول نحو الحقوق لأنها تتيح له وقتاً كافياً للعمل السياسي. سينخرط الشاب الذي يتدفق حماساً في «النضال»، من الكلية الى معسكرات التدريب ومن الجزائر الى فرنسا ثم الى سورية لمواصلة التدريب العسكري. ترعرع أحمد وسط حلم انتصار الشيوعية، حلم لم يحمله وحده، بل اجتاح العالم بعد الحرب العالم الثانية، كيف لا وحركات التحرر العالمية تحقق الانتصار تلو الاخر، ماو تسي تونغ في الصين، وجيفارا في كوبا، والاتحاد السوفياتي في أبهى حلله، كما تشبع بالفكر العروبي في ظل معايشته لجمال عبد الناصر. الشباب في سنه، وخصوصا بفرنسا أين تواجد أحمد كان لا يفكر الا في حضور سهرات البلوز والريغي والجاز، غير أنه اختار طريقا أخر، طريق يربط بين تحرر الوطن والانسان، طريق ملئه شوك الصبار، في أخره ظلمة مخرجها في السجون الذل والعار. تدرب أحمد في معسكرات سورية، غايته اندلاع الثورة واسقاط النظام بالمغرب، ولو كلف ذاك حياته، قبل أن يرحل لإسبانيا ويسلمه نظام فرانكو بمعية رفيقيه محمد أجار وسعيد بونعيلات الى النظام المغربي، قدم أحمد الى المحاكمة الشهيرة والمعروفة بمحاكمة مراكش سنة 1970، حيث ضاق من جميع أصناف التعذيب. يحكي أحمد في إحدى لقاءاته أنه “كان يلقب بعبد المومن كاسم حركي له، وظل لأيام تحت طائلة التعذيب ليعترف بأنه عبد المومن، لكن رده كان دائما اسمي أحمد بنجلون”، كما يحكي في قصة أخرى أن “سجانه طلب مكان ازدياده فأجاب بكل أريحية بأنه من بركم، ليتم تعذيبه لأيام طوال بسبب أن المنطقة تم تغير اسمها الى عين بني مطهر وهو من صرح بغير ذلك”. قاد أحمد بنجلون مع رفاقه في اللجنة الإدارية الوطنية انشقاقا من الأسفل داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو ما سيتوج يوم 8 ماي بالإعلان عن الطلاق النهائي بين رفاق بنجلون، وما كانوا يصفونه آنذاك بـ”اليمين الانتهازي”. هذا الانشقاق مهد لقضاء بنجلون بمعية رفاقه لثلاثة سنوات من السجن، بسبب خلاف حزبي. أسس بنجلون الى جانب عبد الرحمان بنعمرو ومحمد بوكرين وعبد الغني بوستة السرايري واخرون حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. حزب تمنى له مؤسسوه أن يكون في طليعة الجماهير وقائدا للطبقة العاملة وحزبا يكون النواة للأولى للحزب الثوري بمدلوله الماركسي. لما تم تم تأسيس هيئة الانصاف والمصالحة في بداية الالفينية، قال بنجلون قولته الشهيرة “لقد كنا نناضل بقناعة ولم نكن ننتظر من أي كان أن يعوضنا عن نضالنا لنأخذ أجرا في آخر أيامنا، وجبر الضرر هو الإقرار وتعويض كل المواطنين عن هذا الحيف والاستغلال الاجتماعي لطبقة الكادحين … ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، الذين لا يزالون في مواقع المسؤولية”. عاش أحمد شهما، ومناضلا قنوعا وسياسيا ملتزما بمبادئه، ومحمايا للضعفاء والمستضعفين، منصبا نفسه مدافعا عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، الى لقي ربه في الثاني من فبراير سنة 2015. تقرؤون أيضا: https://m.febrayer.com/748195.html https://m.febrayer.com/750608.html أحمد بنجلون…رحل الجسد وبقية الفكرة خالدة Maroc News | .
Comments 0