قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن الشباب المسلمين -كما تظهرهم تعليقات على استطلاع للرأي أجري مؤخرا في فرنسا- يشكلون خطرا محتملا، وهو ما علق عليه الفيلسوف عبد النور بيدار في منبر بالصحيفة، مستنكرا تسليط الضوء على جزء من السكان دون فحص حالة المجتمع بصورة عامة. وعلق بيدار على استطلاع الرأي الذي نشرته صحيفة لوبوان الفرنسية لصالح مؤسسة جان جوريس، مع تعليق لمن سماه « النجم الجديد لعلم الاجتماع جيروم فوركيه الذي قال إنه يهدي البلاد كل عام اسما لما تعانيه من شروخ من « أراضي الجمهورية المفقودة » إلى « فرنسا الهامشية »، إلى قوله « نحن نعرف أن فرنسا « أرخبيل » من المجتمعات ». وفي هذا الأرخبيل -يقول الفيلسوف- إن الجزيرة المسلمة هي التي ينصب على الانتباه أكثر من غيرها، حيث يوصف سكانها بأنهم خطر محتمل على الجمهورية، خاصة من تقل أعمارهم من المسلمين عن 25 عاما. وأرجع سبب ذلك إلى كون 70% من هؤلاء الشباب يعتقدون أن قانون عام 2010 الذي يحظر إخفاء الوجه في الأماكن العامة يعد أمرا سيئا، و74% منهم يرون ضرورة السماح للفتيات بارتداء الحجاب في المدرسة والكلية إلى غير ذلك. وعلق الفيلسوف على ذلك بقوله إن قراءة مثل هذه الأرقام تفقد أذكى الأذكياء قدرته على التحكم، وكأن « البطلة الفرنسية » جان دارك تعود للمرة الألف إلى إنقاذنا جميعا من الخطر الإسلامي. وتساءل بيدار: متى يتوقف الفرنسيون عن استفزاز الرأي العام بشماعة الإسلام، وهل هذا الإسلام هو العدو؟ وهل إعادة أسلمة الشباب المسلمين هي التي يجب أن تثير قلقنا أكثر أم الحالة المتدهورة عموما للمجتمع الفرنسي، حيث إن الشباب عموما والشباب المسلمين المهاجرين خاصة لا يجدون لأنفسهم مكانا؟ ولماذا يعزل دائما موضوع الإسلام من بين هذه الأسباب الاجتماعية الخارجة عن الإسلام؟ ويقول الفيلسوف بيدار إن الشباب من أصل مهاجر يصعب عليهم ترسيخ احترام الذات والثقة بالنفس (تحقيق الذات) في مجتمع يحكم عليه مسبقا بعدم الأهلية للثقة ويعتبره غريبا عنه، متسائلا: كيف تحب بلدا لا يحبك؟ مما يعني أن الإسلام بالنسبة لبعض هؤلاء الشباب هو الملاذ الوحيد والملجأ. ومع ذلك -يقول الفيلسوف- لا ينبغي أن يبدو الإسلام المتشدد والراديكالي سببا لقلقنا أكثر من كونه أحد أعراض حالات إفلاسنا، لأن « السياق العام للفقر المدقع، من صراع هوية وانهيار أسرة وتغيب عن المدرسة » هو المسؤول الأول عن ظهور الإسلام المتشدد بين الشباب. ودعا الفيلسوف المحللين إلى ألا ينظروا بعين واحدة إلى الموضوع، وأن يحاولوا الإحاطة بكل تعقيداته دون عزل « الجزيرة المسلمة » عن المشكلات العامة في « الأرخبيل الفرنسي » إن صح أن الإسلام هناك جزيرة منفصلة، خاصة أن المسلمين يعيشون في جميع الجزر الفرنسية، من الأحياء المعزولة (الغيتو) إلى الطبقة الوسطى والبرجوازية. وتعقيد السؤال -حسب بيدار- يعني أيضا مراعاة تعبير المسلمين الفرنسيين عن الأمراض المستوطنة للثقافة الإسلامية في العالم، كعجزها عن إنصاف التيارات الليبرالية، وعن تحمل تنوعها الداخلي وعن عدم قدرتها على منح المرأة كرامة وحقوقا مساوية لحقوق الرجل، حسب تعبير الفيلسوف الفرنسي. ولخص الفيلسوف مشكلة القطيعة بين فرنسا وشبابها المسلمين في سببين، هما: عجز الإسلام عن مواجهة « شياطينه » البنيوية، وعدم قدرة فرنسا على إعادة الشعور العام بالانتماء إلى قيمها « مما يعني ضرورة القيام بمهمتين، الأولى هي إعادة بناء روايتنا الفرنسية العظيمة من خلال إعطاء واقع ملموس يتقاسمه الجميع لشعار الحرية والمساواة والإخاء الذي لم يعد سوى كذبة بالنسبة للعديد من مواطنينا المحرومين، أما الثانية فتتعلق بالإسلام، وسنشرحها في محورين ». ويرى الفيلسوف أن المحور الأول يتركز على قضية المساجد التي يقترح القيام بالعديد من الإجراءات في إطارها، كإغلاق جميع أماكن العبادة التي لا يتكلم إمامها الفرنسية ولم يتدرب على قيم الجمهورية، ووقف تسلل الشبكات السلفية التي تريد الاستيلاء على السلطة في المساجد واعتقال أكثر المتطرفين، والتعاون النشط بين الدولة (المخابرات والشرطة والمحافظات) والمسلمين الليبراليين لضمان انسجام هذه الأماكن مع قيم الجمهورية، مشيرا إلى أنه -لإكمال هذا التطهير كما يسميه- يجب إضفاء طابع أخلاقي على الحياة السياسية يحول دون تعاون رؤساء البلديات مع السلفيين في مدنهم. ثم تأتي مسألة إنتاج الخطابات المضادة القادرة على تزويد الشباب المسلمين برؤية الأساسيات المشتركة بين قيم الجمهورية وقيم الإسلام، لأن عبقرية فرنسا وعبقرية الإسلام تلتقيان في الجوهر، وذلك أن الرؤية العميقة للإسلام تجد في أسس الجمهورية تعبيرها الأخلاقي والاجتماعي الأفضل بالفصل العلماني التام بين السياسة والدين. ودعا بيدار الجميع -كل حسب مسؤوليته- للمساهمة في بناء إسلام فرنسي، كالسياسيين، ووسائل الإعلام التي عليها أن ترفض التبسيط والإثارة، والجامعات المدعوة إلى فتح أقسام لدراسة الإسلام وللمجتمع المدني الذي تقع عليه المسؤولية الأخلاقية لمنع طغيان الكراهية والخوف من المسلمين، ثم المسلمين أنفسهم المسؤولين عن تجديد ثقافتهم. يذكر أن عبد النور بيدار مفكر وفيلسوف فرنسي مسلم ولد عام 1971 لأم فرنسية كانت على الديانة الكاثوليكية قبل أن تعتنق الإسلام، وله مؤلفات عديدة، من بينها « إسلام بلا خضوع.. نحو فلسفة وجودية إسلامية » 2008، و »انحسار الدين في الغرب.. راهنية محمد إقبال » 2010، ورسالة مفتوحة إلى العالم الإسلامي (2014)، إضافة إلى العديد من المقالات. فيلسوف فرنسي: لماذا كل هذا التخويف من الإسلام؟ Maroc News | .
Comments 0