لا زالت تداعيات الازمة بين الرباط ومدريد تلقي بظلالها على النقاشات العمومية في البلدين. كان آخرها تدخلات نواب البرلمان خلال جلسة الأسئلة الاسبوعية بمجلس النواب ليوم أمس الاثنين والتي ركزت اغلبها على مأساة الهجرة غير الشرعية التي عرفتها مدينة سبتة المحتلة حيث حمل النواب المسؤولية في هذه المأساة للحكومة هذه الاخيرة التي ردت بان هذه الانتقادات الموجهة لها في هذه القضية ما هي الا تسخينات انتخابية. لنستنتج بجلاء ان حكومتنا لم تستوعب مأساة قضية الهجرة وان الازمة الحالية مع اسبانيا بغض النظر عن اسبابها اعادت بقوة مناقشة قضية الهجرة خصوصا بعد الانتشار الكبير لصور ومقاطع الفيديوهات سواء المفبركة او الحقيقية والتي توثق لعمليات تدفق مجموعة من المرشحين للهجرة شباب اطفال نساء امهات …… حتى ان العديد من ردود الفعل كانت سلبية ومسيئة لبلادنا. في هذا الاطار اجرينا الحوار التالي مع الدكتور حميد النهري أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بطنجة. س : ما رايك أستاذ في عملية بث عدد كبير من الصور والفديوهات من طرف بعض وسائل الاعلام الأوروبية المرئية والورقية وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والتي توثق لتحركات مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين تجاه سبتة مع العلم ان بعض هذه الصور مفبركة؟ ج : صحيح ان هناك اجماع على ان هذه الصور والفديوهات تم إستعمالها من طرف البعض اسوء استعمال وتم فبركة بعضها من أجل الاساءة للمغرب وانطلاقا من احساسنا الوطني لا بد ان ندين ذلك. لكن من جهة اخرى وحتى نكون موضوعيين يجب ان نعترف ان بعضها يؤكد لنا بوضوح أن ظاهرة الهجرة اصبحت خطيرة وتهدد السلم الاجتماعي لذلك تقتضي اليوم المعالجة الجريئة فعندما نجد الشوارع ممتلئة بعدد كبير من المواطنين من جميع الفئات شباب قاصرين نساء لا اتكلم هنا عن المهاجرين الاجانب من جنوب الصحراء ولكن ما اقصده المغاربة من مختلف الاعمار ذكورا واناثا الراغبين في الهجرة وهم يتحركون في مسيرات حاشدة رافعين شعار وحيد هو الهجرة الى الضفة الاخرى كيف ما كانت الاحوال خير من ان يبقى في المغرب. هنا في الحقيقة يجب ان نتوقف ونعيد حساباتنا بشكل شامل لاننا امام ظاهرة مروعة اصبحت تهدد مجتمعنا ويجب على الجميع ان يتحمل مسؤوليته في معالجتها. س : تُطرح مجموعة من الأسئلة المباشرة بين المواطنين من يتحمل المسؤولية عن هذا الوضع ؟ المسؤولية متعددة الأطراف كلنا مسؤولين على وصول التفكير لدى فئات عريضة من المواطنين بان ترمي بنفسها الى التهلكة وتختار الهجرة عوض ان تبقى في الوطن. * الدولة من خلال سياسات الحكومات المتعاقبة والتي تعتمد شعارا واحدا هو التضحية بالجانب الاجتماعي واهتمامها بالجانب الاقتصادي القائم على الريع سياسة كرست اللامساواة الفقر الفساد. * الاحزاب السياسية أغلبها لا تقوم بوظيفتها الحقيقية في تاطير المواطنين وتكوينهم لذلك فاهتمامها منصبا فقط على الانتخابات والتحكم في مصير الشعب وتحديده من خلال الاتفاقات داخل الغرف المغلقة وبهذه الممارسات تزيد في تكريس العزوف السياسي حتى نصل يوما ما اننا نجد نسبة المشاركة السياسية في مستوى مهين. * المجتمع المدني اغلب هيئاته أصبحت فضاء لتكريس ثقافة الريع والمحسوبية والفساد دون الاهتمام بالمطالب الحقيقية للمواطنين. * الاسرة: نجدها تعرضت لضربات متتالية من خلال تعاقب السياسات اللاجتماعية للدولة حتى اجهزت عليها تداعيات جائحة كورونا والتي اوصلت الاسرة خصوصا المصنفة في الطبقات الاجتماعية الهشة الى مستويات غير مسبوقة وتندر بخطر تهديد السلم الاجتماعي. * المدرسة : فتلك الكارثة العظمى حيث اعطتنا السياسة التعليمية المُنْهَجة تعليما ازدواجيا وتمييزيا بين الفقراء والاغنياء خلف لنا للاسف اجيالا معطوبة لا تستطيع مواكبة التطور الذي يعرفه العالم اجيالا محدودة العلم والمعرفة يسهل استغلالها والتحكم فيها. هذه السياسة عرتها جائحة كورونا وعلينا الاعتراف بكل صراحة اننا لا زلنا لم نستطع ان نوفر سياسة تعليمية عادلة لجميع المواطنين. اذن الاجابة على هذه الأسئلة في الحقيقة معروفة لدى الجميع وبالتحديد علينا فقط امتلاك الجرأة والمسؤولية لمناقشتها ومعالجتها وتفادي منطق التعويم داخل الاشكالات العامة. س: تصريحات بعض المسؤولين كانت واضحة محملة المسؤولية للحكومة الاسبانية وقد صرح وزير حقوق الانسان (ان من حق المغرب ان يمد رجله لتعرف اسبانيا حجم معاناته من أجل حسن الجوار، وثمن ذلك، وتعرف أيضا أن ثمن الاستهانة بالمغرب غال جدا، فتراجع نفسها وسياستها….. ج : للاسف يظهر من خلال العديد من تصريحات المسؤولين المغاربة حول الازمة انهم لم يستوعبوا اننا امام ظاهرة اجتماعية خطيرة هي رغبة فئات عريضة من المواطنين هجرة الوطن باي ثمن وفي اي فرصة. وهنا يجب ان نميز صحيح اننا امام ازمة دبلوماسية غير مسبوقة مع اسبانيا واصبحت حاليا مع اوروبا لكن يجب ان نعترف اننا امام أزمة اجتماعية خطيرة ستهدد السلم الاجتماعي ببلادنا وتزيد في تقليص منسوب الثقة للمواطن في الدولة. وبالنسبة للتصريح الذي ذكرته للوزير الرميد فاسمح لي ان أقول لك انه بعيد كل البعد عن مستوى مسؤول مكلف بحقوق الانسان وهذا الامر ليس غريبا لان الوزير الرميد عودنا دائما في تصريحاته حول قضايا مهمة انها تكون بدون معنى. وللتذكير تصريحه عندما كان وزيرا للعدل حول قضية (وثائق بنما) سنة 2016 حيث ردد انذاك تصريحا شهيرا (ما فراسيش وليست لي دراية بمساطر التهرب الضريبي) عوض ان يتحمل مسؤوليته كما تحملها نظراؤه في العديد من الدول. كذلك تصريحه سنة 2018 عندما هاجم القضاء المغربي وهو وزير في الحكومة واصفا امر قاضي التحقيق بفاس بمثول احد أصدقاء الوزير في حزب العدالة والتنمية امام غرفة الجنايات (بالقرار الأخرق) وهو ما أُعْتُبِرَ انذاك تحقيرا لمؤسسة القضاء. اذن كان على الوزير الرميد ان يناقش الموضوع من وجهة نظر القطاع المكلف به اي حقوق الإنسان عوض ان يلقي المسؤولية عل اطراف اخرى. كما أن كافة المسؤولين مطالبين بان يتحملوا مسؤوليتهم الوطنية كلنا مع صحرائنا ومع وحدتنا الترابية كلنا مع دور لبلادنا يتجاوز حدود لعب الدركي على الحدود مع أوروبا لكن بتدبير معقلن لسياستنا الخارجية تضمن وضعنا ووزننا الإقليمي وعلاقتنا مع دول الاتحاد الأوروبي وكل هذا ليس على حساب ملفاتنا الداخلية فمعالجة ظاهرة الهجرة اليوم عليها ان تأخد مفهوما شاملا يقتضي الجرأة والصراحة. فكم هو عدد العقول التي هاجرت بسبب سياسة الدولة وكم من المسؤولين السياسيين ومسؤولي السلطة الذين يملكون جنسيات لبلدان اخرى سيهاجرون نحوها كم من الاغنياء واصحاب اقتصاد الريع الذين هَجَّروا أموالهم وسيهاجرون عندما تجف منابع الريع في الدولة وكم من الاسر التي تفضل مكان ازدياد ابناءها بدول اخرى لاكتساب الجنسية. إذن هذه هي ظاهرة الهجرة التي تقتضي المعالجة لان الوضع الاجتماعي اصبح خطيرا الشرخ كبير بين الطبقات الغنية والطبقات الفقيرة والهشة لقد رحل اجدادنا دون ان يرووا شيئا وفقراؤنا اليوم هناك من يختار الهجرة على امل ان يرى شيئا ويضمن العيش الكريم وهناك من يكتفي بالحلم من خلال العالم الافتراضي ان وجد من أجل أن يرى الحياة في دول اخرى . للاسف هذه هي حقيقتنا والتي نريد من البعض ان يصمتوا ويبلعوا ألسنتهم لان تشويههم للحقيقة يؤدي الى استغباءهم للشعب. فلا داعي لنهج سياسة تغطية الشمس بالغربال فظاهرة الهجرة بالمغرب اخذت منحى خطير وتقتضي معالجة عملية ومسؤولة قبل فوات الاوان. ظاهرة الهجرة بالمغرب بين الخطاب والمعالجة العملية والمسؤولة- حوار Maroc News | .
Comments 0