يتابع العالم تطورات الأحداث في منطقة الخليج بكثير من الحذر والترقب لمآلات لعبة عض الأصابع بين واشطن وطهران، حيث تزداد المخاوف من انزلاق تطورات المشهد الملتبس في المنطقة إلى مواجهة عسكرية مدمرة. فما بين تأكيد الطرفين عدم رغبتهما الدخول في الحرب تارة، وتلويحهما طورا آخر باللجوء إلى الخيار العسكري، باتت منطقة الخليج تحمل اليوم، أكثر من ذي قبل، نذر مواجهة مباشرة تستدعي في ذهن المراقبين حرب الخليج الثانية التي اندلعت مطلع التسعينيات من القرن الماضي. بدأت فصول التوتر المتصاعد حاليا بين واشنطن وطهران بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران التي خضعت بالمقابل لسلسة من العقوبات الاقتصادية الرامية إلى « تصفير » صادراتها النفطية التي تعد عصب الاقتصاد الإيراني، وهو ما حدا بالأخيرة إلى التهديد بتعطيل صادرات الطاقة من المنطقة عبر مضيق هرمز، الممر المائي الأكثر حيوية بالنسبة لأمن الطاقة العالمي. وفي ثنايا التهديد الإيراني ما دفع الولايات المتحدة إلى إرسال أسطول عسكري أمريكي وقوات إضافية إلى المنطقة بعد رصدها ل »تهديد إيراني وشيك » على مصالحها هناك، ليتأزم المشهد أكثر باستهداف ست ناقلات نفط مؤخرا في حادثين منفصلتين اتهمت فيهما واشنطن وحلفاؤها إيران بالوقوف خلفهما. غير أن الحادث الأكثر حساسية ضمن وقائع ما يجري في المنطقة هو إسقاط إيران لطائرة استطلاع أمريكية يقول حرسها الثوري إنها اخترقت المجال الجوي الإيراني، فيما أراده « رسالة واضحة وصارمة » لواشنطن على أنه على أهبة الاستعداد للحرب إن هو ح مل على ذلك حملا. وي نظر إلى الحادث على أنه أول احتكاك عسكري بين الطرفين يأتي في ذروة التحشيد العسكري الأمريكي في المنطقة، وهو ما جعل الجميع يحبس أنفاسه ترقبا لطبيعة الرد الأمريكي على إسقاط أول طائرة تابعة لها في ما تقول إنها « أجواء دولية »، ما يضع الولايات المتحدة بالتالي في موقع المعتدى عليه ويحيل رد فعلها المحتمل إلى دفاع عن النفس. توقفت عقارب الساعة ليلة الجمعة الماضية ترقبا للضربة الأمريكية المحتملة وطبيعتها وحجمها بعد أن هيأت حادثة الطائرة كل المسوغات التي تدفع الإدارة الأمريكية إلى « كبح التهور الإيراني »، لكن الرئيس الأمريكي رونالد ترامب فاجأ العالم بإعلانه إلغاء ضربة عسكرية قبل عشر دقائق من موعدها ليعود مناخ التهدئة من جديد مع التأكيد أن الخيار العسكري ضد إيران لا يزال قائما. وعما ستؤول إليه وقائع التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران بعد إسقاط الطائرة الأمريكية، يرى الكاتب والمحلل السياسي فتح الرحمن يوسف، أن التكهن بشأن مآلات التصعيد الراهن « ما زال يلفه شيء من الغموض برغم خطورته، وذلك بحكم الطريقة التي يتعامل بها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مع محدثات الأمور السياسية في منطقة الشرق الأوسط خاصة وفي العالم عامة ». وأوضح المتحدث في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن ترامب « يتخذ رأيا أو يصرح تصريحا ثم ما يلبث أن يعدل عنه في اتجاه آخر يترواح من الأشد حرارة وتوترا وقسوة إلى الأقل فالمرن، ثم ما يلبث أن يعود للضغط القاسي من خلال العقوبات التي يفرضها سياسيا واقتصاديا على الدول والمؤسسات والأفراد من المسؤولين ». ولفت يوسف إلى أن « الإشكال الأمريكي الإيراني بالرغم من دخوله خط الأزمة في المنطقة، إلا أن الإدارة الأمريكية تتعامل أحيانا مع بعض الأصوات التي تشد من طرف أو ترخي من طرف آخر سواء في البيت الابيض أو في الكونغرس أو حتى في البنتاغون، فضلا عن رجاله المقربين من وزير خارجيته أو رئيس المجلس الأمن القومي الأميركي أو صهره، بشكل غير واضح أحيانا ». فالجمهوريون والديمقراطيون، يقول الكاتب، « يجهرون أحيانا بدعمه في قضايا محددة مثل الضغط على ايران حتى لا تتمكن من امتلاك سلاح نووي، في حين تخرج ثلة أخرى فتنادي بضرورة اتباع استراتيجية ت ظهر المرونة في ظاهرها بينما تضمر شرا في باطنها لإنهاك إيران اقتصاديا وسياسيا. وليس هذا فحسب، بل هناك من يبدي نصائحه بشكل مباشر تؤيد أحد الأمرين المتناقضين، فيجد الرئيس ترمب مهلة ليكثر من تغريداته المتناقضة هي الأخرى في إصدار آرائه أو قراراته أو حتى فرض العقوبات التي يراها ». وأكد يوسف أن الأمر مع قتامته وعدم التكهن بالجزم باندلاع حرب من عدمها، ربما يفاجىء الرئيس ترمب باطلاق مبادرة جديدة للتحاور السياسي مع طهران، بمساعدة آخرين في أوربا أو حتى في آسيا، فضلا عن الدور الذي تلعبه إسرائيل في العلن وفي الخفاء من أجل دفع أمريكا نحو الحرب الذي ترى فيه الخلاص من طهران بالرغم مما يثار حول حقيقة العلاقات الاسرائيلية الايرانية. وفي تصريح مماثل، يذهب الكاتب والمحلل السياسي مختار شعيب إلى أن التصعيد الراهن يأخذ بعدين رئيسيين يتمثل الأول في استراتيجية احتواء إيران والضغط عليها من خلال العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على إيران، وهي عقوبات « متدرجة وستزداد حدة خلال الأيام المقبلة »، فيما يتمثل البعد الثاني في التصعيد العسكري من خلال تعزيز الأسطول العسكري الأمريكي في المنطقة، موضحا أن وجود 2500 جندي أمريكي في المنطقة وقرار الإدارة الأمريكية إرسال ألف جندي إضافي خلال الأيام القادمة يمثل ضغطا عسكريا كبيرا على إيران. ومن خلال الاستراتيجيتين معا، يضيف الكاتب، تستطيع الولايات المتحدة إجبار إيران على الاستجابة لشروطها الإثني عشر والتي يأتي في مقدمتها إعادة التفاوض بشأن برنامجها النووي ووقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة من خلال الانسحاب من سوريا ووقف دعمها للمليشيات الشيعية في العراق ولبنان واليمن. وتوقع المحلل السياسي أن تتواصل استراتيجية التصعيد الأمريكي ضد إيران اقتصاديا وعسكريا بالمزيد من التواجد العسكري في المنطقة والاقتراب من الحدود الإيرانية بالإضافة إلى اعتماد استراتيجية « الهاكرز » أو الحرب السيبرانية التي تقودها الاستخبارات الأمريكية على المنشآت العسكرية والحيوية الإيرانية. وعن احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران مع تداعياتها المحتملة على كل الأطراف، استبعد الكاتب أي رغبة في الحرب في الوقت الراهن لدى رونالد ترامب الذي يتطلع إلى ولاية ثانية على رأس البيت الأبيض، وتوقع في نفس الوقت أن تكون أولى القرارات التي قد يقدم عليها في حال أعيد انتخابه العام المقبل هو « ضرب إيران ». وخلص المحلل السياسي إلى أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2020 هي انتخابات « كاشفة للسلوك الأمريكي المقبل نحو إيران سواء كان هذا السلوك حربا أم تفاوضيا »، مرحجا الخيار التفاوضي مع طهران في حال فوز الديمقراطيين في السباق الرئاسي المزمع إجراؤه في ثالث نونبر 2020. الخليج العربي.. حذر وترقب لمآلات « عض الأصابع » بين واشنطن وطهران Maroc News | .
Comments 0