هذا ما حدث قبيل أن يصبح الأمير مولاي الحسن ملكا على البلاد، وبالضبط قبيل إقالة حكومة عبد الله إبراهيم، كما روى ذلك عبد الرحيم بوعبيد في مذكراته «شهادات وتأملات» التي نشرتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد … فلنتابع ما حدث في عشاء مناقشة رأسا لرأس بين ولي العهد والقيادي حينها في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عبد الرحيم بوعبيد: … تلقيت يوم 17 أو 18 مايو مكالمة هاتفية من لدن الأمير مولاي الحسن، دعاني فيها إلى عشاء ثنائي، رأسا لرأس، وكان قد مضى ردح من الزمن لم ألتق به، وصلت إذا في الموعد المحدد بفيلاه بالسويسي، بدا مشرحا للغاية، لبقا ودودا، دام اللقاء أزيد من ثلاث ساعات، وسوف لن أقدم منه هنا سوى النقط الأساسية: قال الأمير: لقد قرر جلالة الملك وضع حد لمهام هذه الحكومة الحالية «حكومة عبد الله إيبراهيم»، وهناك فريق آخر قيد التشكيل. لقد وصلنا مرحلة من المشاورات النهائية وقد أمرني جلالة الملك بإخبارك رسميا. ـ أشكرك سموك على دعوتك هذه، وعلى الإخبار الذي قدمته إلي، لكن أستسمحك في التعبير عن مفاجئتي :ذلك أن جلالة الملك، باعتباره رئيس الدولة، هو الذي يعود إليه هذا الإخبار، بصفة رسمية وبحسب الأعراف، للفريق الحكومي كله. قال الأمير: لنقل إنه إجراء شبه رسمي، لكنه في ظرف أيام قليلة سيرسم «يصبح رسميا» كما تقتضيه الأعراف. لكن المهم في هذا المسعى، الذي أمر به جلالة الملك، هو أن أعرض عليك تولي مهام وزارة الخارجية داخل الفريق الجديد. ولا بد أن أوضح لك أن جلالة الملك يلح على هذا الأمر بشكل خاص. ـ قبل الإجابة على هذا العرض الذي تشرفت به، اسمح لي سموك إبداء ملاحظة أولية، ما دام الأمر يتعلق بشبه حوار رسمي. خلال تنصيب الفريق الحالي، يوم 24 ديسمبر 1958، قيل وقتها في الخطاب الرسمي للتنصيب إن الحكومة الجديدة ستتولى مهامها إلى ما بعد الانتخابات الجماعية، وأن تشكيلة جديدة ستتشكل في ضوء نتائج هذه الانتخابات الجماعية، بمعنى حكومة أكثر تمثيلية لمختلف توجهات الرأي العام. والحال، أنه على الرغم من تباطؤ وزارة الداخلية، وبعد مشاورة الأحزاب السياسية حول نمط الاقترغع، في يونيو 1959، قرر ظهير صادق عليه جلالة الملك تنظيم الانتخابات الجماعية بالاقتراع الأحادي، ويحمل هذا النص القانوني تاريخ شتنبر 1959، وفي ديسمبر، سجل الناخبون أنفسهم في اللوائح الانتخابية، ولم يبق سوى تاريخ الانتخابات، فلماذا إعفاء الحكومة قبل الانتخابات؟ ـ لقد قرر الملك ذلك، غير أن ما تبين في اللقاء هو أن معارضة الأحزاب السياسية الأخرى بلغت من القوة حدا جعل الحفاظ على الحكومة قائمة، خلال الانتخابات ، يبدو كما لو أنه يدعم حظوظها، فتقرر إذا، دعم حظوظ فريق آخر. والحال أن اعتماد الاقتراع الأحادي بدل الاقتراع باللائحة الذي دعا إليه كل من حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية يهدف في العمق إلى إقرار سلطة ما اصطلح على تسميته بالنحب المحلية، وذلك للإبقاء على البنيات والهياكل القروية التقليدية التي كانت تستند إليها سياسة الحماية، كما من شأن النتائج الانتخابية، عبر تقوية حظوظ العالم القروي، أن تبرز اتجاهات محافظة، إن لم تكن رجعية بحتة. سألته: من هو رئيس المجلس الحكومي؟ ـ ولي العهد: أنا شخصيا. الكشف عن هذا الأمر فاجأني مفاجأة عميقة، ، وحتى إن سبق لي أن سمعت به، فأنا لم أصدقه. قلت له: لكن، يا سمو الأمير، يصعب علي التصديق بهذا الأمر، فأنا لا أرى وليا للعهد ومستشارا لجلالة الملك يضع نفسه على رأس الحكومة، اللهم إلا في ظروف استثنائىة حقا، ذلك لأن الحكم كما يقال هو الاختبار، وعليه سيكون عليك أن تتار بإلزام سمؤوليت السياسية بين هذا التوجه وذاك على مستويات الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ووفي مجال السياسة الخارجية، فالرجل السياسي العادي ينخرط بكل مسؤوليته السياسية عندما يقدم على اختيار معين، فإذا نجح في عمله، لن يكون قد قام سوى بما أملاه عليه ضميره وتحليله للوضعية، وإذا أخفق، لن يكون أمامه سوى أن يستقيل أو ينحى من طرف الحكم الأعلى، جلالة الملك، هذا هو النظام وهي دي قواعد اللعبة حتى في ديمقراطية غير كاملة كما هي ديمقراطيتنا. ثم واصلت الحديث بالقول: مبدئيا، إن أميرا وليا للعهد يمثل استمرارية نظام الملكية حيث لا يمكن أن يتعهد بمسؤوليته السياسية، حيث لا تمكن مجازاتك أو محاسبتك، فماذا ستفعل المعارضة في هذه الحالة؟ فإن هي عبرت عن عدم موافقتها على أي إجراء كان، ستكون أولا وقبل كل شيء تعارض ولي العهد، لأن هذه الصفة ستظل، على الرغم من كل شيء، هي المهيمنة والغالبة، لست بصدد شكلانية قانونية، بل أحاول أن أتصور أوضاعا ووضعيات ملموسة، لا بكل صراحة لا أتفهم الأسباب التي تدفعك إلى تولي رئاسة الحكومة. أجابني: لقد قدرت الأمور من جانبها السلبي والإيجابي معا، وقد تنبأت بالاعتراضات التي ستقوم بها، لكن القرار اتخذ، وإذا كان جلالة الملك وأنا فكرنا في مشاركتك فذلك حتى يكون الفريق الجديد ممثلا لكل الاتجاهات. لا تظن على وجه الخصوص أنني أعارض كل الإجراءات التي اتخذتها، ففي العمق أنا أيضا اشتراكي. حينما قال الحسن الثاني لبوعبيد في عشاء ثنائي: أنا أيضا اشتراكي Maroc News | .
Comments 0